أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلاقة ذلك باضطرابات الشخصية
د . حمود فهد القشعان
المقدمة:
يحذر القرآن من التعصب: ]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ[ (سورة المائدة/77). وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك: أن رسول الله قال (لا تشددوا على أنفسكم فيُشَدَّد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشُدِّد عليهم").
إن الخصائص العامة للإسلام، التي ميّز الله بها أمة الإسلام عن غيرها، يقول الله سبحانه وتعالى: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ[ (سورة البقرة/143).
إن الدراسات الغربية تزخر بتأكيدها على دور الدين، وضرورة الالتزام به في تقويم السلوك الفردي والجمعي للإنسان، في حين تندر الدراسات العربية المعنية بالعلاقة المباشرة بين التدين والحياة الزوجية، فيما عدا بعض الدراسات التي استخدمت مقاييس لتقدير درجة التدين وعلاقته ببعض الظواهر الاجتماعية السلوكية الأخرى. فقد أجريت عدة دراسات نذكر منها على سبيل المثال دراسة بدري بالسودان عن دور السلوك الديني في علاج مشكلة المسكرات (بدري 1978). وهناك كانت دراسة الصنيع على نزلاء السجن بالمملكة العربية السعودية، وكانت حول علاقة التدين بالسلوك الانحرافي (الصنيع 1992).
وهناك دراسات أخرى أجريت لقياس بعض العوامل والأفكار والمفاهيم المرتبطة بالدين (العراقي- 1979). في حين كانت هناك دراسات متشابهة لحد كبير، وذلك لدراسة العوامل المؤثرة بالتدين لدى الشباب الجامعي (دياب والنقيـب، 1983 و1984، طه 1993، فرج 1989). وكذلك تشابهت دراسـات أخرى حول الالتزام الديني لدى المراهقين بالمراحل الثانوية (معوض، 1986، طاحون، 1988، ريان، 1994). بينما أجريت دراسات أخرى على علاقة الدين بالصحة النفسية وعلم النفس، فعلى سبيل المثال ظهرت دراسات تناولت العلاقة بين التدين وكل من العصابية والانبساط والثقة بالنفس والدافعية للإنجاز، وكذلك الاتجاهات الدينية والتكيف النفسي وكلها تؤكد على أهمية علاقة الدين بالصحة النفسية (تركي، 1987)، (العيسوي، 1966) في حين كانت هناك دراسة حول علاقة التدين ببعض المخاوف لدى طلبة الجامعة.(أبوسوسو، 1989).
تفسيرات التطرف والتعصب:
المدرسة النفسية ترجع كل السلوكيات المتطرفة إلى أسباب نفسية خالصة، كثيراً ما تكمن في العقل الباطن أو اللاشعور، وبخاصة مدرسة التحليل النفسي. فعلى سبيل المثال، ذهب بعض أصحاب التحليل النفسي على أنه كالعدوان الذي يظهره الفرد على شكل طاقة انفعالية لابد لها من متنفس، ويتخذ لذلك موضوعاً معيناً تفرغ فيه الشحنة الزائدة، وإذا لم يتمكن العدوان من أن يصل إلى مصدر، فإنه يلتمس مصدراً. ويرى بعض الباحثين من أن التعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً إيجابياً محباً أو سلبياً كارهاً دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية.
ويرى مصطفى زيور عالم النفس المصري: أن التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية، وهي تنشأ أولا وقبل كل شيء من بواعث نفسية لا علاقة لها في الأصل بالعقيدة الدينية.
أما المدرسة الاجتماعية ترد كل شيء إلى تأثير المجتمع وأوضاعه وتقاليده، وما المرء إلا دمية يحرك خيوطها المجتمع كما يقول "دور كايم"!
في حين أن المدرسة المادية التاريخية: تضع الاعتبارات المادية كأساس لتفسير الظاهرة. فمثلاً ترى أن الدوافع الاقتصادية، هي التي تصنع الأحداث، وتغير التاريخ.
لكن الحقيقة هي أن التعصب يجب أن ينظر له نظرةً شاملة، وهذه النظرة الشاملة ترجع أن الأسباب المؤدية للتعصب والتطرف الفكري والسلوكي في حقيقتها أسباب متشابكة ومتداخلة، وكلها تعمل بأقدار متفاوتة، مؤثرة آثاراً مختلفة، قد يقوى أثرها في شخص.
الظاهرة التي بين أيدينا ظاهرة مركبة، معقدة، وأسبابها كثيرة ومتنوعة، ومتداخلة، فمن هذه الأسباب ما هو ديني، ومنها ما هو سياسي، منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو فكري، ومنها ما هو خليط من هذا كله أو بعضه.
إن العوامل التي تؤدي للتطرف والتعصب متداخلة ولكننا نوجزها على سبيل المثال لا الحصر بالتالي:
ضعف البصيرة بحقيقة الدين
يجب التنبيه هنا من أننا لا نقصد بهذا السبب الجهل الكامل بحقيقة الدين، لأن ذلك سيؤدي غالباً للتفريط و التسيب، ولكننا نقصد هنا هو ادعاء العلم وظهور أنصاف المتعلمين، الذي يظن صاحبه به أنه أعلم الخلق، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يهرف بما لا يعرف قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا "وأضلوا" (الحديث في الصحيحين من رواية عبد الله عمرو رضي الله عنهما)
وتذكر كتب السير والحديث من أنه نقل عن الإمام مالك بن أنس، أنه قال
بكى ربيعة يوماً بكاء شديداً، فقيل له: مصيبة نزلت بك؟ فقال: لا .. ولكن اُستفتي من لا علم عنده! ). وذكر عن الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله، أنه قال: "آفة الدين في ثلاث جاهل به ومغال فيه وشخص امتزج حبه بقلبه ولكن ضاقت سعة عقله عن تصريفه تصريف الأنبياء له".
إن غياب العلم الشرعي المعتدل قد قاد إلى غياب الوعي الديني والفهم العميق للنصوص الشرعية، وتلقي الفتوى من غير المتخصصين والملتزمين سلوكاً وقولاً أدى إلى الخلط والفوضى في المفاهيم، وبالتالي انعدم الوسط الثقافي الديني السليم في المجتمع، كل ذلك أدى إلى خلق وسط بديل للشباب، يشبعون فيه أهواءهم ونزواتهم.
2-الخلل النفسي والاضطراب في التركيبة الشخصية:
القسم الأول: مفهوم اضطرابات الشخصية
تعرف الشخصية Personalityعلى أنها مجموعة شاملة من السمات الانفعالية Emotional والسلوكية Behavioral التي يوصف بها الفرد ويتميز بها عن غيره، وتظهر من خلال مواقف الحياة المختلفة التي يمر بها ، وهي ثابتة نسبياً وقابلة للتنبؤ، كما أن الشخصية تعد حصيلة تفاعل تلك السمات مع بعضها بعضًا. وعندما تصبح هذه السمات غير مرنة Inflexible، وسيئة التكيف Maladaptive وتسبب عجزاً وظيفياً ظاهرًا فإنها تؤدي إلى وجود اضطرابات في الشخصية(Kaplan et al., 1996, p.731) .
وتشخص اضطرابات الشخصية عندما تتداخل هذه السمات المختلة مع أفعال غير سوية بشكل واضح ، وتعد سمات ضمنية مبالغ فيها مشوهة ومرضية ، وبهذا فإن كل اضطراب في الشخصية يكون مسبوقًا بمجموعة من السمات المَرَضية التي تظهر على الفرد من خلال تفاعله مع ذاته والبيئة المحيطة (Paris, 1994, p.11).
وتعتبر اضطرابات الشخصية نموذجاً من السلوك الشامل والثابت نسبيا، والذي يظهر في مرحله المراهقة ويستمر في الرشد، ويسبب خللا واضحا في الجوانب المعرفية والوجدانية والانفعالية والتفاعلية، ويؤثر على حياة الفرد من الناحية الوظيفية والاجتماعية والمهنية ويبقى مع الفرد طوال الوقت. وعلى الرغم من أن معظم اضطرابات الشخصية تنخفض شدتها خلال مراحل العمر المتقدمة، وفقا للتغيرات البيولوجية والتوافق التدريجي مع الضغوط البيئية، إلا أنها تعتبر من أصعب الاضطرابات النفسية علاجاً (Kazdin, 2000, p.120).
وقد يستدل على اضطرابات الشخصية خلال فترة الطفولة، كما يمكن ملاحظتها قبل عمر الثامنة عشر، إلا أن هذه الاضطرابات لا تشخص عادة إلا عند بلوغ الفرد مرحلة الرشد المبكر باعتبارها سمة من سمات الشخصية.
تم تصنيف اضطرابات الشخصية ضمن المحور الثاني axis-11 في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض العقلية، حيث تم تقسيمها إلى ثلاث مجموعات رئيسية ، تتضمن كل مجموعة عدداً من الاضطرابات التي تتشابه في الطابع العام.
فالمجموعة الأولى وصفت بالسلوكيات الشاذة Odd، وتتضمن ما يلي:
1-اضطراب الشخصية البارانويدية (PPD) Paranoid personality disorder
2-اضطراب الشخصية شبه الفصامية Schizoid personality disorder(SPD)
3-اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي (STPD)Schizotypal personality disorder
المجموعة الثانية التي توصف بالسلوك الدراماتيكي المسرحي Dramatic أو العاطفي الانفعالي فإنها تتضمن ما يلي:
1-اضطراب الشخصية المناهضة للمجتمع Antisocial personality disorder(APD)
2-اضطراب الشخصية الحدية Borderline personality disorder(BPD)
3-اضطراب الشخصية الهستيرية Histrionic personality disorder(HPD)
4-اضطراب الشخصية النرجسية Narcissistic personality disorder (NPD)
المجموعة الثالثة تتضمن ثلاث فئات توصف بالقلق والخوف ، وهي:
1-اضطراب الشخصية التجنبية Avoidant personality disorder(APD)
2-اضطراب الشخصية الاعتمادية Dependent personality disorder(DPD)
3-اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية Obsessive compulsive personality disorder(OCPD)
وفيما يلي سوف نعرض لهذه الفئات المضطربة بشيء من التفصيل:
أولا: مجموعة اضطرابات الشخصية الشاذة Odd personality disorder:
يعرض الأفراد الذين ينتمون إلى هذه المجموعة نوعا من السلوك المُغرب والمنحرف، والتفكير الشاذ، يشابه ذلك الذي يظهر لدى الفصاميين، فيوصفون بالشك المبالغ به، والانسحابية من المجتمع، وغرابة في التفكير والإدراك، كما إن سلوكياتهم تجعلهم في معزل عن الآخرين (Comer, 1996, p.432) .
وتتضمن هذه المجموعة الفئات الفرعية التالية:
1-اضطراب الشخصية البارانويدية: تتصف هذه الفئة بعدم الثقة والشك المفرط بالآخرين، ،والشعور الدائم باستغلال وإساءة الآخرين إليهم، كما يشعرون بأن الآخرين يحاولون خداعهم وإيذائهم؛ وهم سريعو الانفعال نحو أي تهديد خارجي، ويفسرون الأمور ضدهم ، كما يستثيرهم النقد البسيط (Kazdin, 2000, p.120) .
2-اضطراب الشخصية شبه الفصامية: يلاحظ على هذه الفئة نقص التفاعل مع الآخرين، فهم يتجنبون التواصل الاجتماعي، ويفضلون البقاء بعيدا بمفردهم، ويعانون من عجز في التعبير العاطفي والانفعالي، ويبدون مختلفين عن أقرانهم، واهتماماتهم بالنشاطات الاجتماعية ضعيف للغاية، ومهاراتهم الاجتماعية محدودة جدا؛ ونادرا ما يظهرون مشاعرهم ولا يعبرون عما بداخلهم بشكل واضح ويوصفون بالبرود والغباء والجمود.
3-اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي: يتصف أفراد هذه الفئة بشخصية حادة ، ويتصرفون وكأنهم معاقين في كل تفاعلاتهم مع الآخرين، ولديهم عجز واضح في التفاعل الاجتماعي، ولديهم تشوهات معرفية وإدراكية، وسلوكيات منحرفة ، ويميلون للعزلة، ومعاملاتهم ممزوجة بالقلق والضيق مع الآخرين، ويتشككون في نوايا من يتعاملون معه، ولديهم أوهام وأفكار غير منطقية حول ذواتهم، ويشعرون أن لديهم قدرات خارقة ، وتصرفاتهم غريبة الأطوار، ولديهم صعوبة في الانتباه والتركيز وحديثهم غامض، وجملهم غير مترابطة، وميولهم اندفاعية غير هادفة (Ibid, 2000, p.437).
ثانيا: مجموعة اضطرابات الشخصية المسرحية ( الاستعراضية ) Dramatic personality disorder:
تتصف هذه المجموعة بسلوكيات انفعالية ظاهرة وغير متوقعة، متمركزة حول الذات، وصعوبات في تشكيل العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها.
وتنقسم هذه المجموعة إلى عدة أنواع كالتالي:
1- اضطراب الشخصية المناهضة للمجتمع: يصر الأفراد الذين ينتمون لهذه الفئة على الاعتداء على حقوق الآخرين، ولا يحترمون المعايير الاجتماعية، ولا يمتثلون للقانون، ولديهم سوء توافق اجتماعي ومستويات القلق منخفضة لديهم في المواقف المهددة، ولديهم عدم اكتراث ولا مبالاة واضحة تجاه أمور الحياة المختلفة، فهم يقومون بأفعال خاطئة تستحق العقاب، مما يجعل أولياء أمورهم أو الآخرين يعاقبونهم بسبب سلوكياتهم المزعجة ، الخالية من الأخلاقيات والتي توصف بعدم الاجتماعية asocial، وهم مندفعون وليس لديهم أي إحساس بالندم أو الخجل من أفعالهم، ويتصفون بالتركيز على الأنا egocentricity ولديهم نقص في العاطفة وعدم إحساس بمشاعر الآخرين ( Nevid et al .,2000 ,p. 288 )
2- اضطراب الشخصية الحدية: يتصف من يعانون من هذا الاضطراب بعدم الاستقرار في العلاقات الاجتماعية، والتطرف في الانفعالات بمعنى إبداء الحب الشديد أو الكره الشديد للآخرين دون وسطية، كما أنهم غير مستقرين انفعاليًا، ومتقلبو المزاج ويغضبون لأتفه الأسباب، ويقومون بمحاولات جادة للانتحار أو يلمحون بذلك، كما أن لديهم تذبذباً واضحاً في هويتهم ويشعرون بالفراغ والخواء الداخلي، وهم متهورون ومندفعون ويسلكون طريقًا غالبًا ما يؤدي إلى تهديد حياتهم (Gunderson, 2001, p.10-12) . ويذكر بعض الباحثين وجود تداخل شديد بين بعض أعراض اضطراب الشخصية المناهضة للمجتمع واضطراب الشخصية الحدية، وذلك في عدم التنظيم الوجداني واضطراب التحكم في الاندفاعات ((Herpertz et al., 2000.
3- اضطراب الشخصية الهستيرية: الملامح الجوهرية لهذه الفئة هي التمثيل المسرحي الذاتي self dramatization مع استعراض مبالغ به من الانفعالات الواضحة للعيان، التي تهدف إلى جذب الانتباه والعطف، كما أن عواطفهم وانفعالاتهم تبدو ضحلة ومتطايرة ، ويتأثرون بسرعة بالأحداث المحيطة، ودائما ما يقومون بلعب دور الضحية ويشعرون بالملل من الروتين اليومي مما يجعلهم مندفعين نحو البحث عن كل ما هو جديد ومثير (Alloy et al., 1999, p.278) .
4- اضطراب الشخصية النرجسية : يُظهر أفراد هذه الفئة غرورًا وتكلفا وشعورًا بالعظمة، وحاجة مفرطة لإعجاب الآخرين بهم، يتفاخرون بأعمالهم ويتوقعون دائمًا أن يظهر الآخرون الإعجاب والإطراء بهم. مشغولون دائما بأنفسهم والعناية بذواتهم وغير مكترثين بالآخرين. منشغلون دوما بالنجاحات الوهمية والحب المثالي، كما يسعون دائما للوصول إلى درجات من التألق والجمال، وقد ينقادون إلى أعمال ليست من اهتماماتهم وإنما للوصول إلى الشهرة فقط (Nevid et al., 2000, p.288).
وتشير بعض الدراسات إلى وجود أسلوب التفخيم الذاتي والعظمة كأسلوب من أساليب الشخصية النرجسية في الحياة ، كما وجد لديهم مشاكل تفاعلية وضعف في الترابط العاطفي (Dickinson & Pincus, 2003) .
ثالثا: مجموعة اضطراب الشخصية المتصفة بالقلق والخوف Anxious personality disorder
1- اضطراب الشخصية التجنبية: يعاني أفراد هذه الفئة الخوف من الرفض والنقد، مما يجعلهم يعترضون على إقامة أي علاقات اجتماعية دون وجود دليل أكيد على تقبلهم. ونتيجة لذلك فإن علاقتهم بالآخرين ضئيلة جدا وتنحصر في أفراد من عائلاتهم، ويتجنبون الأعمال والوظائف التي تتطلب التعامل والاحتكاك بالآخرين خوفا من الرفض، كما يتجنبون الحوارات والمحادثات الاجتماعية المباشرة مع الآخرين ويتخوفون من أي موقف قد يعتقدون أنه مسبب للإحراج مما يجعل تصرفاتهم متسمة بالعصبية. وعادة ما يتمسكون بالروتين في أمور حياتهم ولا يحبون التغيير، وتتشابه أعراضهم مع أعراض اضطراب المخاوف الاجتماعية (Nevid et al., 2000, p.288) .
2-اضطراب الشخصية الاعتمادية: يعتمد هؤلاء على غيرهم دائمًا، ولا يستطيعون اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ولديهم شك في قدراتهم وأعمالهم ، ودائما يلجؤون لسؤال الآخرين حول أمورهم الخاصة، مثل: ماذا نفعل وأين نذهب وماذا نلبس، ويخافون من أن يتركهم الآخرون أو يهجرونهم، كما يتملكهم شعور بعدم اهتمام الآخرين بهم؛ ويؤدي اعتمادهم على الآخرين إلى التقليل من قيمة ذواتهم، كما يزداد لديهم قلق الانفصال؛ وقد أشارت دراسة لوس وآخرين (Loas, el al., 2002) إلى وجود تلازم كبير بين أعراض اضطراب الشخصية الاعتمادية وقلق الانفصال عند عينة من المرضى الإكلينيكيين.
3-اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية: عادة ما يكون هؤلاء مشغولين بالترتيب والنظافة والوصول للمثالية والكمال، ويتبعون القوانين بشكل صارم، ويقومون بعمل جداول وقوائم لأعمالهم التي تتسم بالدقة، وتؤدي دقتهم هذه إلى فقدان المهمة الأساسية التي كانوا يقومون بها، ويتصفون بالتصلب والعصبية عند التعامل مع الآخرين (Alloy et al., 1999, p.281) وقد وجد ارتباط دال بين هذا الاضطراب عندما يظهر في مرحلة المراهقة وبين اضطرابات الأكل بأنواعها المختلفة لدى الراشدين مما يعطي مؤشرا على أن وجود اضطرابات الشخصية قد تكون متنبأ على تطور اضطرابات إكلينيكية في المستقبل (Anderluh et al., 2003) .
ويوضح عرض الدراسات التي اهتمت بفحص اضطرابات الشخصية، أن الأفراد في المجموعتين الأولى والثانية يتصفون بسلوكيات العنف والاندفاعية والعدوانية مقارنة بسلوكيات المجموعة الثالثة والتي توصف بالتوتر. (Johnson, et al., 2000).
وهناك نوع أخير من اضطرابات الشخصية هو اضطراب الشخصية غير المحدد، والذي يقوم الممارس الإكلينيكي بتشخيصه عندما لا يستوفي الفرد جميع المحكات التشخيصية الخاصة بأي من اضطرابات الشخصية سابقة الذكر في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض العقلية.
وتوجد بعض من اضطرابات الشخصية التي تم دراستها ولكنها لم تحدد في الدليل التشخيصي والاحصائي الرابع وهي:
1-اضطراب الشخصية السلبية (Negativistic) أو العدوانية السلبية (Passive aggressive) وهي شخصية ذات اتجاهات سلبية ونظرة متشائمة دومًا، تتصف بالعبوس والغضب المتكرر.
2-اضطراب الشخصية الاكتئابية ، يتصف هؤلاء بالتشاؤم Pessimistic و الحزن Cheerless والمزاج السيئ.
3-اضطراب الشخصية الانهزاميةself defeating ويتصفون بالإحباط الذاتي وتشويه صورة الذات .
4-اضطراب الشخصية السادية Sadisticوالتي تتصف بالوحشيةcruel والحط من قدر الآخرين (Kazdin, 2000, p.120) .
تعريف اضطراب الشخصية الحدية
هو خلل واضح في الجوانب الأساسية للشخصية يتمثل في التعامل بتطرف مع أمور الحياة المختلفة ، ويظهر ذلك التطرف في التفكير والوجدان والسلوك والعلاقات التفاعلية، إضافة لانخفاض واضح في تقدير الذات وعدم الثقة بالنفس والتسرع والاندفاعية في المواقف المختلفة، مما يؤدي للتهور وعدم التروي عند القيام بأي سلوك؛ مما يجعلهم مندفعين في أمور الحياة المختلفة والتي توقعهم في العديد من المشاكل سواء مع الذات أو الآخرين.
4- ضعف المعالجات الإعلامية والثقافية مواجهة ظاهرة التعصب والتطرف:
من بدهيات الأشياء أن الفكرة لا تقارعها إلا فكرة، حيث إن مصدر هذا التطرف هو الفكر، ولهذا لا يمكن التصدي له إلا بالفكر، ولا تقاوم الشبهة إلا بالحجة، ومن تأكيدنا على أهمية فرض الدول والمجتمع الدولي لهيبة القانون وعدم السماح للمتطرفين بفرض أفكارهم غير المقبولةً عقلاً وديناً، إلا أن الاقتصار على المواجهات العسكرية ستصبح قاصرةً دون التدخل كذلك على مستوى الحوار وتفنيد الحجة بالحجة والفتوى المنحرفة بفتوى مدعومة بالعقل والنقل.
5-الجرأة من غير أهل الاختصاص على معالجة القضايا المختلفة وخصوصا الشرعية و الدينية:
إن هذا السبب قد يرتبط بالسبب السابق والذي نتج عن انتشار الفجور بالخصوص على مستوى الإعلام المشاهد والمقروء. فعلى سبيل المثال وبالاطلاع على بعض الصحف العربية وبالذات الخليجية، نرى تحول الحوار الثقافي للعمل على إزاحة الطرف الآخر. إن البرامج الحوارية وبعض كتاب الزوايا الصحفية، قد يسهمون في تعميق الفكر التعصبي ولجوء أصحاب الفكر للتعصب لوجهات نظر ترتبط بالأفراد وليس بالحقائق. وصدق القائل "إنما يُعْرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال".
العلاج:
أولاً: تشجيع الكفاءات العلمية والفكرية والإعلامية المتميزة للعمل في مجالات البحث والتحليل لمفهوم التطرف وتحليل ظواهره ووصف العلاج له.
ثانياً: ربط المنتديات والمؤتمرات المختلفة مع مراكز الدراسات والبحوث المتميزة ليستمد منها المعلومات الصحيحة وليعرض على الناس ما يفيدهم لا ما يضرهم.
ثالثاً: تجنب سياسات الإثارة والترويج الباطل لظواهر الجريمة و التطرف والإرهاب.
رابعاً: التعامل مع ظاهرة الغلو والتطرف عقلانياً، ومعنى ذلك أن ننظر إليها نظرة واقعية، باعتبارها ظاهرة موجودة، ولا بد من التعامل معها، حتى يتم احتواؤها، وبالعقل وحده يمكن الاهتداء إلى العلل الحقيقية الكامنة وراءها، وعدم الانسياق وراء أحكام آنية، تنجم عادةً من موقف عاطفي متشدد، ولا تصدر من دراسة متأنية مستبصرة.
المراجع:
1 - دراسات في علم النفس الاجتماعي: عبد الرحمن عيسوي، دار النهضة العربية، بيروت - لبنان، 1974، ص195.
2 - موسوعة علم النفس والتحليل النفسي: فرح عبد القادر طه وآخرون، دار سعاد الصباح، الكويت، ط1، 1993، ص215.
3 - في النفس: مصطفى زيور، دار النهضة العربية، بيروت - لبنان، 1986، ص199.
4 - علم النفس الاجتماعي: ج1، محمود السيد أبو النيل، دار النهضة العربية، بيروت - لبنان، 1985، ص470.
رابط الموضوع :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]